• الموقع : موقع وزير الخارجية اللبنانية : عدنان منصور .
        • القسم الرئيسي : أقسام الموقع .
              • القسم الفرعي : مقالات .
                    • الموضوع : مفاوضات على بقايا دولة .

مفاوضات على بقايا دولة

 

مفاوضات على بقايا دولة
عدنان منصور *
«إذا فشلت المفاوضات فلن نخسر شيئاً». هذا ما قاله رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس قبل أيام من بدء المفاوضات التي عقدها مع بنيامين نتنياهو بحضور الرباعية الدولية.
وهل يتصور عاقل أن إسرائيل ستخسر من جرّاء إفشال المفاوضات، فيما عباس يفاوض من موقع الضعف في ظل غياب وحدة الصف والهدف الفلسطينيّين؟ وإذا كان عباس يرى أنه لن يخسر شيئاً إن فشلت المفاوضات، فإنّ إسرائيل على الجانب الآخر ستكسب بدورها لأنها لا تعوّل على نجاح المفاوضات التي تذهب إليها على مضض، بل تراهن على الوقت الكفيل بتغيير الأوضاع الجغرافية والديموغرافية في القدس والضفة الغربية لتفرض بعدها الأمر الواقع الذي تريده. عندما يعلّق الفلسطينيون (محمود عباس وقيادته) الآمال على مفاوضات عقيمة، يبدو لنا أنهم بعيدون عما تفعله إسرائيل وتنفّذه على الأرض منذ احتلالها للضفة الغربية حتى اليوم، ضاربةً عرض الحائط بقرارات القمم العربية التي بدأت باللّاءات الثلاث، ومتّعاملةً مع مبادراتها باستخفاف وازدراء على مدى أربعين عاماً، وموجّهةً إلى كل العرب الصفعة تلو الأخرى ورافعةً في وجوههم لاءاتها :لا لعودة القدس إلى وضعها السابق، وهي العاصمة الأبدية لإسرائيل، لا لعودة اللاجئين، لا لإزالة المستوطنات، لا لعودة الضفة بكاملها للفلسطينيّين، ولا لدولة فلسطينية موحدة الأرض والشعب. لأنها تعرف مسبّقاً مع من تتفاوض، ومدى صلابة ومعدن وصدقيّة الذين يفاوضونها في العلن أو في الخفاء.
إسرائيل منذ احتلالها للضفة والقطاع عمدت إلى اتّباع سياسات ميدانية وتنفيذ إجراءات لم تتوقف لوضع حد لفكرة الدولة الفلسطينية... وإذا كانت السلطة الفلسطينية تتطلع إلى إقامة دولة وإيجاد الحل العادل للاجئين الفلسطينيين بعودتهم إلى ديارهم، فإن إسرائيل من أجل دفن حق العودة تشترط على القيادة الفلسطينية الاعتراف مسبّقاً بيهودية الدولةالإسرائيلية لأن بقاء الفلسطينيين (العرب الإسرائيليّين) داخل الحزام الأخضر بعد عام 1948 حتى اليوم، وازدياد أعدادهم كفيل بأن يطرح في المستقبل زيف اللعبة الديموقراطية التي تتشدّق بها إسرائيل، وقرار الأكثرية في هذا الشأن، لذلك فإنّ الوجود الفلسطيني داخل الحزام الأخضر أمر مرفوض بالمطلق إسرائيلياً وهو من الأمور الاستراتيجية الرئيسة التي تقع على عاتق الدولة العبرية للتخلص منه بالكامل، لأنّ بقاء الأقلية العربية (20 بالمئة من سكان إسرائيل) سيولّد على المدى البعيد تضخّماً ديموغرافياً خطيراً يترتّب عليه فارق عددي يضع على المحك لعبة الأكثرية والأقلية في فلسطين كلها، رغم أنّ فلسطينيي الحزام الأخضر البالغ عددهم اليوم مليوناً ونصف مليون نسمة يعيشون على بقعة أرض لا تتعدى 500 كلم مربع، بينما يعيش 5,7 ملايين إسرائيلي على مساحة تبلغ 19500 كلم مربع.
ما تريده إسرائيل هو بقايا دولة فلسطينية لا حول ولا قوة ولا حياة لها، تدور في الفلك الإسرائيلي. دويلة مرهونة لها أمنياً وعسكرياً واقتصادياً وحتى ثقافياً. فتقطيع أوصال المناطق الفلسطينية الجاري على قدم وساق، وعزل بعضها عن بعض وبناء الجدار العازل والاستمرار في زرع المستوطنات لا يأتي من فراغ. إذ إنه منذ احتلال إسرائيل للضفة الغربية، مثّلت المستوطنات الإسرائيلية الهدف الأول للقادة الإسرائيليّين. لقد كشف شارون عن ذلك صراحةً في مذكّراته ليقول إنه بعد حرب الأيام الستة عام 1967، كان يفكر في ذلك «وإن إسرائيل لم تضع في بالها التخلي عن الضفة الغربية. فهي جزء لا يتجزّأ من إسرائيل، ولم تخطر على بالي ـــــ يقول شارون ـــــ فكرة التنازل عنها (الضفة الغربية) لمصلحة الأردن، لأن يهودا والسامرة لم تكونا يوماً أرضاً أردنية».
عندما تولّى شارون وزارة الزراعة، وضع خريطة كبيرة لأراضي الضفة الغربية، ثم طرح خطة مفصّلة لحظت ثلاث مسائل مهمّة جرى بموجبها العمل في ما بعد، وهي:

 

إسرائيل تشترط الاعتراف مسبّقاً بيهودية الدولة الإسرائيلية لدفن حق العودة
1ـــــ أمن السهل الساحلي، حيث الكثافة السكانية اليهودية مرتفعة، والبنى الصناعية ومحطات توليد الكهرباء والمطارات الدولية. وهذا السهل يصعب الدفاع عنه نظراً إلى انكشافه من الضفة الغربية. إذ إنّ الحدود الإسرائيلية المعروفة بالخط الأخضر، فيها تجمّع كثيف لمدن وقرى عربية يقطن فيها مئات الآلاف من العرب، ممّا يؤدّي إلى ربط الشمال الإسرائيلي بالجنوب عبر ممرّ بشري عربي.
2ـــــ المسألة الثانية تتمثّل في الحدود. فإسرائيل يجاورها الأردن وسوريا والسعودية. وهذه الدول إذا ما اجتمعت على الجبهة الغربية مسلّحة بترسانة حرب هائلة من خلال هجوم مشترك، فإنه لن يدافع عن خطوطنا ـــــ يقول شارون ـــــ إلا عدد ضئيل تدعمه القرى والكيبوتزات المتاخمة المكلفة بحماية حدودنا ووسائل الاتصال والطرقات... وعليه فإن ذلك يستلزم منا على الصعيد العسكري خطاً من المستعمرات الإسرائيلية على طول وادي نهر الأردن وسهل بيت شان على البحر الميت وتنظيمها للدفاع عن الأرض...». وهنا يتبين بجلاء لماذا ترفض إسرائيل أن يكون للدولة الفلسطينية المقترحة أيّ اتصال جغرافي مع الأردن، وذلك بفصل المناطق الفلسطينية عنه بحزام من المستعمرات على طول حدود وادي نهر الأردن.
3ـــــ أما القدس حسب خطة شارون، ومن أجل إبقائها يهودية، فإنّ الحل على المدى البعيد يكمن في "تشييد سلسلة من المساكن التي تحيط بالضواحي والأحياء العربية تتخذ شكل حدوة حصان على امتداد عشرة كيلومترات أو خمسة عشر كيلومتراً من الوسط، ابتداءً من غوش انسيون في جنوب القدس إلى بيتهيل في الشمال. وإذا ما توصلنا إلى تطوير القدس الكبرى حتى تستوعب قرابة مليون شحص على نحو ما خطّطنا له، فإن هذه المدينة ستبقى في المستقبل عاصمة الشعب اليهودي...».
لقد حظيت خطة شارون بدعم كبير من الحكومة الإسرائيلية، إذ كانت تعبّر عن تطلّعات كل القادة الإسرائيليين لجهة تهويد الضفة الغربية وضمان الدفاع عن تجمّعات البلاد السكنية وضمان حق اليهود في العيش داخل إسرائيل التاريخية. في عهد شارون سجلت حركة الاستيطان أرقاماً قياسية. ولم يكتف شارون بذلك بل ذهب بعيداً في تقطيع أوصال القرى والمدن الفلسطينية وبناء الجدار العازل وفصل القرى العربية بعضها عن بعض، والإسراع في تغيير الهوية العربية للقدس الشرقية ومعالمها وقلب المعادلة الديموغرافية لمصلحة المستوطنين اليهود. وهذا كله جرى أمام أعين القيادة الفلسطينية والقيادات العربية...
كثيراً ما كانت الحسابات الفلسطينية والعربية غير دقيقة وغير واقعية، متفائلة أكثر من اللزوم، تعتمد على ما يرسمه الآخرون ويخططون له. فعندما انسحبت إسرائيل من غزة، تصوّر العديد من الفلسطينيين والعرب أن الانسحاب مثّل انتصاراً للقضية، ولم يكن في تصور هؤلاء أن إسرائيل لها حساباتها الضمنية أيضاً، لأن ما قامت به من انسحاب من قطاع غزة لا يعكس نيّاتها السليمة ولا رغبتها في تحقيق السلام، بل يعكس سياسة خبيثة بعيدة المدى تصب في مصلحة إسرائيل الاستراتيجية والأمنية والسياسية والقومية. في هذا المجال، يجاهر دوف ويسغلاس، الناطق الرسمي باسم رئيس وزراء إسرائيل آنذاك أرييل شارون، كاشفاً بوضوح لصحيفة هآرتس الإسرائيلية في 6 تشرين الأول عام 2004، نيّات إسرائيل الحقيقية من الانسحاب من غزة: «إنّ معنى خطة فك الارتباط بغزّة هو تجميد عملية السلام، وإنّ تجميد هذا المسار يعني منع قيام دولة فلسطينية، ومنع إجراء محادثات بشأن اللاجئين والقدس والحدود. نتيجةً لذلك، فإنّ كل المسألة المسمّاة دولة فلسطين مع كل ما يترتب على ذلك ستُسحب من جدول أعمالنا».
وإذا كانت إسرائيل قد استولت على الأرض وعلى الحقوق العربية بالقوة، فهل يتصور الفلسطينيون والعرب أنّ إسرائيل وحُماتها على استعداد لإعادة ما استولت عليه عن طريق المفاوضات؟ كيف ومتى سيكون ذلك؟
* سفير سابق للبنان

عدد الجمعة ١٠ أيلول ٢٠١٠

 

عنوان المصدر:

  • المصدر : http://www.adnanmansour.net/subject.php?id=118
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2010 / 10 / 19
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28